haroun2008

اجلس منذ ثمانية ايام متسمرا امام شاشة التلفزيون بانتظار "المفاجآت" التي وعد بها حسن نصر الله.

وللمفاجأة انني لم اجد اية مفاجأة في ما يجري.

السيناريو يكرر نفسه على مر تاريخنا المرّ.

ينفخون في فزاعات عربية ويجعلون منها مشاريع ابطال خارقين، حتى يخال لنا ان احدهم يطل علينا بقسماته الباردة من على سطح القمر.

سمعت بعضهم يتحدث ذات مرة عن ان صاحبنا على القمر كان من الدهاء بحيث انه يستطيع معرفة كل ما يدور في غرفة نوم رئيس اعظم دولة على الارض.

وكانت المحصلة ان جنود تلك الدولة دخلوا غرف نوم هذا الزعيم الفضائي، ربما لاستعادة اجهزة التنصت، وبعد ذلك طردوه منها وناموا فيها، ولا يزالون.

قبله قيل لنا ان روح آخر حلقت في مروحية فوق الجموع التي خرجت في شوارع البلدان العربية عقب وفاته، حتى ظن بعضهم انه استأذن ابقاء شبحه بيننا على الكرة الارضية لمواصلة قيادة المعركة!.

وسمعت امي تتجاذب حديثا مع الجارات عند عتبة البيت وفي ظل راية سوداء نصبت تعبيرا عن الحزن لوفاته، عن انه ذات مرة تلقى اتصالا من "رئيس امريكا" يتوسل فيه الرحمة لليهود، وان صاحبنا -رحمة الله عليه- بصق في وجه هذا الرئيس و"طرق" السماعة –ايضا في وجهه-.

ايامها كان الطيران الاسرائيلي الذي -جاءنا من الغرب وكنا نتوقع مقدمه من الشرق- قد اباد كل قوانا الجوية عن بكرة ابيها، وهيمن على سماواتنا وأمعن فينا تنكيلا وقصفا وهزائم.

هو كما تقول الرواية، استقال ثاني يوم، ثم تمنّن على الخلق بالعودة الى كرسيه، وناوش العدو بضع سنين لاستنزافه، فاستنزفنا، قبل ان يفارق الى المروحية التي اطل منها شبحه على جموعنا الباكية رحيله.

طبعا كلا هذين كانا مشروعي بطولتين استحالتا نكستين ما تزال ذكراهما تقذفنا نحو اعماق أبعد وتجعل الهزيمة شيئا صميميا في ارواحنا المنهكة من توالي النفخ والتنفيس!.

مشاريع النكسات حولت كثيرا من شعوبنا، من شعوب تريد النصر والتحرير الى قطعان طبل وتزمير، والحمد لله.

وبعد هذا الموات المحبب, ظهر لنا آخر وعد باكثر مما القى موسى على سمع قومه لاقناعهم باتباعه في فراره من بأس فرعون.

فعلا، وفي لحظة نشوة، دغدغ هذا الرجل فينا ما دغدغ، وبالنسبة لي، كنت قد احببت هذا الفيلم الجديد منذ شارة البداية. لقد بدا لي مليئا بالتشويق والاثارة.

السيناريو يعد بمفاجآت، والحوار مصاغ باسلوب يشد الانتباه، والشخوص يؤدون الادوار ببراعة منقطعة النظير، كما ان هناك اعدادا مهولة من الكومبارس لم اشاهد مثلها سوى في فيلم العراق.

منذ المشاهد الاولى للفيلم وانا على أحر من الجمر في انتظار المفاجآت. لكن جذوة التشويق بدأت تخبو، والملل يتسلل الي. ثم ان "البطل" اختفى وتلوح في الافق هزيمة!.

يبدو انني ساحتاج الى مئات الغالونات من الماء لتخفيف المرارة التي اراني لا محالة متجرعها.

"الحق عليّ اني صدقتك" كما يقولون في العامية.

وبعيدا عن السخرية السوداء، تبدو الحقائق على الارض مفجعة. الناس يموتون ويشردون ويحيق الدمار بكل ما حولهم.

اجد ان ما يجري الان في لبنان حيث حمام الدم وطوفان الدمار، هو فعلا نتاج مقامرة بدأت على طريقة بوكر اميركي وتحولت الان الى روليت روسي تتوجه فيه فوهة المسدس الى رأس لبنان.

حزب الله في يديه جنديان اسرائيليان اسيران، وبضعة صواريخ، ويعد بمفاجآت، ويزعم ابرامه حلفا مع الله سيورثه النصر.

واسرائيل في المقابل، تقبض بيديها على اوراق الدعم الاميركي والغربي اللامتناهي، وترسانة عسكرية مرعبة. لكنها لا تكلف نفسها عناء الحرب النفسية بالتهديد بمفاجآت، بل هي تلعب على المكشوف.

لقد قامر حزب نصر الله وارتكب مغامرة دموية عندما اشعل فتيل هذه الحرب.

ما افهمه من كلمة مغامرة هوا نها تدل على فعل لا يضمن الشخص عواقبه، وتكون فيه احتمالات الخسارة عالية جدا، وفرص الربح شبه معدومة..فهل اتى نصر الله بغير هذا؟.

لو كانت الساحة خالية له ولاسرائيل لربما ما لامه احد منا، لكنه قرر اللعب في ساحة ليست له، وجعل من الناس في لبنان وحياتهم وممتلكاتهم ومستقبلهم ودولتهم ورقة في لعبته الدامية.

وهو كما اراه، رجل يحمل كل متطلبات الشخصية المغامرة. وفي ذلك ما جعله محط نظر لاعبين اخرين بدا لهما ان بمقدوره تفجير الموقف وبما يعفيهما من استحقاقات دولية ضاغطة.

انهما ايران وسوريا، وكلاهما يدفع بنصر الله الى المزيد من الايغال في لعبته الدامية.

دعموه بالسلاح والمال وقالوا له اذهب ونحن من ورائك..!! اليس الابن سر ابيه؟ قالها احدهم في دمشق عام 1982، مرددا بها صدى ما نطقه الخميني بالفارسية من طهران.

بعض اللبنانيين والفلسطينيين في ذلك العقد المؤلم من الزمان اللبناني، ذهبوا الى اغراهم به من هم في طهران ودمشق، ولما نظروا وراءهم لم يجدوا احدا.

التاريخ يعشق تكرار نفسه. اما آن لنا ان نتعلم؟.

هي ليست حرب لبنان، بل دمار فرض عليه بوكالة مفتوحة منحت لنصر الله. وقد كان من نتائجه بالفعل إزاحة نظر العالم عن طهران ودمشق مؤقتا..لكن المكر يستدير الان صوب أهله.

طهران ودمشق ستسحبان الوكالة ان عاجلا ام اجلا من نصر الله، على امل تخفيف الغضبة العربية والعالمية ضدهما لما فعله وكيلهما بلبنان، وعلى اعتبار ان الادارة تتحمل مسؤولية تصرفات مرؤوسيها.

وبعد سحب الوكالة، سيكون الوكيل امام حساب عسير من قبل اللبنانيين.

وعربيا سيكون هذا درسا اخر لمن يحاول اقتراف المغامرات على حساب الشعوب ومستقبلها.

وايضا سيكون فيه عبرة للشعوب التي آن لها تعلم إعمال العقل حتى لا يكبدها الانجراف وراء العواطف الواهمة احباطات ونكسات اخرى هي في غنى عنها.

les vidio de haroun.